عادات شامية…. الاحتفال بالمولد النبوي الشريف قديما

عادات شامية…. الاحتفال بالمولد النبوي الشريف قديما
متابعة نجاة احمد الاسعد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل نبيه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في هذا الشهر المبارك سنعيش ذكرى عطرة، مولد خير البرية، رسول الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أضاء للعالمين دروب الخير والهداية. وفي هذه المناسبة العظيمة، دعونا نفتح نافذة على الماضي، لنرى كيف كان أهل الشام يحتفلون بالمولد النبوي الشريف .

كان أهل الشام ينظرون إلى هذا اليوم أنه عيد روحي، يوم تُشرق فيه النفوس قبل أن تُضاء فيه الطرقات. ومن أقدم ما عُرف عن هذه الاحتفالات أن البيوت والمساجد كانت تُزيَّن بالأنوار والفوانيس، وتُعطَّر بالمباخر المليئة بالعود والمسك، فتعمّ رائحة البهجة في الأزقة والحارات.
وكانت العائلات الشامية تحرص على إعداد مجالس الذكر والإنشاد، حيث يجتمع الرجال والنساء، كبارًا وصغارًا، ليستمعوا إلى السيرة النبوية العطرة بعبارات منمقة ومرتلة بأسلوب خاص، في المدائح التي تفيض حبًا للنبي صلى الله عليه وسلم.وغالبًا تكون بين صلاتي المغرب والعشاء
أما الأسواق فكانت تتحول إلى لوحات من الفرح، حيث تُباع الحلويات الخاصة بهذه المناسبة، وهي الملبس الشامي والمحلاية، وهي حلويات يُعرف الدمشقيون بإعدادها في هذه المناسبة . وكان الأطفال ينتظرون هذا اليوم بشوق كبير، لأنهم يحصلون فيه على الحلوى والهدايا الصغيرة، فيشعرون بأن المولد عيد يخصهم مثلما يخص الكبار.
ولم يكن المولد النبوي في الشام يمرّ دون تبييض هذا اليوم وهي عادة قديمة تعني طهي طبق طعام لونه أبيض كاللبن مثل الشاكرية والفتة الشامية و الهريسة الحلوة والساخنة ، وتُوزع هذه الأطباق على المحتفلين و الجيران والأقارب، ، وايضا العوامة أو ما يعرف بـ “لقمة القاضي”، وهي حبات مقرمشة تغمس في القطر الحلو فتدخل البهجة إلى قلوب الصغار والكبار. كما كانت بعض العائلات تعدّ قدرًا كبيرًا من الأرز باللحم أو الدجاج لتوزعه على الفقراء والمحتاجين، تعبيرًا عن الامتنان والمحبة في هذا اليوم المبارك.

ومن أجمل ما كان يميز احتفالات الشام في المولد النبوي، تلك المواكب التي كانت تخرج في بعض المدن، حيث يمشي الناس في الشوارع يتقدمهم القراء والمنشدون، يرفعون أصواتهم بالتهليل والتكبير، وتُرفع الرايات الخضراء التي ترمز إلى النور المحمدي وفي بعض الاحتفالات، كانت تمارس رقصة “المولوية” (أو الميلوية باللهجة الشامية) على أنغام الأناشيد الدينية.

وفي البيوت، كانت الأمهات يحرصن على تعليم أبنائهن قصة المولد النبوي بأسلوب بسيط، فتترسخ في قلوب الصغار محبة النبي منذ نعومة أظفارهم. كما كان بعض الشيوخ يعقدون حلقات لتفسير معاني السيرة، ويربطونها بواقع الناس، ليظل حب الرسول صلى الله عليه وسلم حيًا متجدّدًا في القلوب.
ولأن الشام أرض مباركة مليئة بالعلماء والأولياء، فقد كان للمجالس العلمية نصيب كبير من هذه المناسبة. فكان العلماء يخطبون في المساجد الكبرى مثل الجامع الأموي بدمشق، يذكرون الناس بفضائل النبي وأخلاقه ورسالته، وكيف يجب على المسلمين أن يتمثلوا سنته في حياتهم.
ولعل ما يميز عادات أهل الشام أنهم لم يحصروا الاحتفال في المظاهر فحسب، بل جعلوه مناسبة للخير والعطاء. فكان الأغنياء يتصدقون على الفقراء، ويوزعون الطعام في الأزقة، وتقام الموائد العامة التي يجتمع فيها الغني والفقير، فيتحقق معنى الأخوة والمحبة بين الناس.
أحبتي ، إن هذه العادات القديمة لم تكن مجرد طقوس، بل كانت تربية للأجيال على حب الرسول، وغرسًا للقيم النبيلة في القلوب. فقد فهم أجدادنا أن الاحتفال الحقيقي لا يكون فقط بالمديح والأنوار، بل بالاقتداء برسول الله في الرحمة، والصدق، والتسامح، وحسن المعاملة.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كانت هذه رحلتنا مع عادة شامية قديمة تحمل الكثير من الرموز والمعاني.
رابط حلقة عادات شامية بعنوان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف قديما



