عادات شامية ……مدينة حماه وعادة فك الشر كله ودفتر النسوان
الاخبارية مباشر

عادات شامية ……مدينة حماه وعادة فك الشر كله ودفتر النسوان
نجاة احمد الاسعد
رحلتنا اليوم في مدينة حماة، المدينة الغنية بتراثها وعاداتها الجميلة، ما زال الناس يحتفظون بتقاليد قديمة توارثوها جيلاً بعد جيل، بعضها ما زال يُمارس حتى اليوم لما يحمله من روح المحبة والتعاون، وبعضها الآخر بدأ يختفي مع تطور الحياة ودخول مفاهيم جديدة. ومن أجمل ما يميز المجتمع الحموي ارتباطه الوثيق بالعادات الشعبية التي تعكس روح الجماعة والتكافل بين الناس.
من أبرز مظاهر الفرح في حماة ما يُعرف بالعراضة الحموية، وهي تقليد عريق يرافق المناسبات السعيدة، خاصة الأعراس والمولد النبوي الشريف. يجتمع فيها الشباب، ويرددون الأهازيج الشعبية والأدعية الدينية، حاملين السيوف والتروس، في مشهد مليء بالحيوية والبهجة. تبدأ العراضة عادة بالصلاة على النبي، وتستمر بالأغاني التراثية التي تعبّر عن الفرح والاعتزاز، وتمنح المناسبة طابعًا احتفاليًا أصيلاً يربط الماضي بالحاضر.
ومن العادات الجميلة التي تخص الأطفال عادة تُعرف باسم فكّ الشركولة. وتُقام عندما يبدأ الطفل خطواته الأولى ويتعثر كثيرًا أثناء المشي. يؤمن الأهالي أن الطفل يحتاج إلى مساعدة رمزية ليتخلص من التعثر، فيجتمع الأهل والأصدقاء في أجواء مليئة بالفرح، وتُقام وليمة صغيرة. يربطون قدم الطفل بخيط رفيع، ثم يقوم أحد الكبار بقص هذا الخيط بالمقص وهو يردد الأدعية ويتمنى للطفل التوفيق في مشيته. وبعدها ترتفع الزغاريد وتعلو أصوات الفرح، وكأنهم يحتفلون بخطواته نحو الحياة.
أما السنينية، فهي عادة محببة لدى العائلات الحموية، وتُقام عندما يتم الطفل عامه الأول. في هذا اليوم تُطهى أكلة خاصة من القمح والحمص والسكر، وتُزين بالمكسرات والحلوى، ثم تُوزع على الأهل والجيران. يجتمع الجميع حول المائدة، وتُرفع الأدعية بأن يبارك الله في عمر الطفل ويمنحه الصحة والسعادة. إنها مناسبة عائلية بسيطة، لكنها تحمل في طياتها دفئًا ومحبة لا توصف.
ومن العادات القديمة التي تحمل طرافة خاصة وهي ما يُعرف بدفتر النسوان، وهو ليس دفترًا حقيقيًا كما قد يظن البعض، بل هو تعبير عن مجموعة من المعتقدات التي كانت النساء يتداولنها قديمًا. ويسجلونها في دفتر خاص بهم منها أن زيارة المريض يوم الأربعاء تجلب له طول المرض، و الزواج يوم الجمعة قد لا يتم، وصبّ الماء الساخن على الأرض يزعج الجن إن لم يُقال قبلها “دستور يا حاضرين”. كما كانت بعض النساء يعتقدن أن حكة الحاجب تعني قدوم الضيوف، وأن الطفل إذا حبى في البيت فهناك من سيزورهم قريبًا. ورغم أن هذه المعتقدات لا تستند إلى أساس علمي، إلا أنها كانت جزءًا من التراث الشعبي الذي أضفى طابعًا خاصًا على الحياة اليومية.
إن هذه العادات، على اختلافها، تعبّر عن جانب جميل من روح المجتمع الحموي، فهي تجمع بين الفرح والبساطة، وبين الإيمان بالمشاركة وقوة الروابط العائلية. وعلى الرغم من أن بعضها اندثر مع مرور الزمن، فإنها ما زالت تسكن في ذاكرة الناس، وتُروى للأجيال الجديدة باعتزاز، لتبقى شاهدة على تاريخ مدينةٍ عرفت كيف تمزج بين الأصالة والإنسانية في أبسط تفاصيل حياتها.
كانت هذه رحلة قصيرة عبر الزمن، عدنا فيها إلى أيام البساطة والفرح الحقيقي، إلى زمنٍ كانت فيه العادات تصنع الدفء بين الناس، وكانت الأفراح تجمع القلوب قبل أن تجمع الأجساد
دمتم بخيرٍ، ودامت أفراحكم عامرةً بالحب والكرم
تابعونا على الفيس بوك



