ثقافة ومنوعات

عادات شامية ……. اربعة ايوب عادة من مدينة اللاذقية

الاخبارية العربية السعودية

عادات شامية ……. اربعة ايوب عادة من مدينة اللاذقية

 

نجاة احمد الاسعد

 

حديثنا اليوم يأخذنا في رحلة جميلة إلى الساحل السوري، إلى مدينة اللاذقية تحديدًا، حيث البحر الأزرق يعانق الذاكرة والعادات القديمة، وحيث الناس ما زالوا يحافظون على تقاليد ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، تقاليد تحمل بين طياتها الإيمان والفرح والأمل.

من بين هذه العادات القديمة عادة يُطلق عليها اسم أربعة أيوب، وهي من التقاليد التي لا تزال حاضرة في قلوب أهل اللاذقية حتى يومنا هذا.

يأتي هذا اليوم مرة واحدة في السنة، وتحديدًا يوم الأربعاء الذي يقع بين أحد الشعانين وعيد الفصح، أي في الربيع، حين يكون البحر أكثر دفئًا والنسيم أكثر نقاءً.

 

مع خيوط الفجر الأولى، يبدأ الناس بالتوافد إلى الشاطئ، صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، يحملون معهم الفرح والذكريات والأمنيات.

يؤمن الناس أن الاغتسال بماء البحر في هذا اليوم يجلب الصحة والعافية، ويبعد الأمراض والمصائب.

وترتبط هذه العادة باسم النبي أيوب، عليه السلام، الذي عرف بصبره على البلاء، وحين أمره الله أن يغتسل بالماء ليشفى من مرضه، فعل ذلك فاستعاد عافيته.

ومن هنا جاء الاعتقاد بأن ماء البحر في يوم أربعة أيوب يحمل البركة والشفاء.

النساء في هذا اليوم يغتسلن سبع مرات في مياه البحر، فهن يعتقدن أن الرقم سبعة يحمل معنى الكمال والبركة، كما يغتسل الرجال والأطفال أيضاً، وكلٌّ يردد في نفسه أمنية يود أن تتحقق.

تختلط أصوات الموج بدعوات الناس وضحكاتهم، فترى المشهد كأنه لوحة من الفرح والإيمان، يجتمع فيها البحر والروح والذاكرة في لحظة واحدة.

 

ولا يكتمل هذا الطقس دون رحلة القوارب الصغيرة التي تنتظر المشاركين على الشاطئ.

يصعد الناس إلى القوارب في جولات قصيرة فوق الماء، يحملون في أيديهم قطعًا نقدية صغيرة، يرمونها في البحر وهم يهمسون بأمنياتهم، علّ الموج يحملها إلى قدرٍ كريم.

وقد اعتاد الناس أن يقولوا: إن قاع البحر في اللاذقية مليء بتلك القطع المعدنية التي تختزن في بريقها أحلام العشاق، وآهات المرضى، ورجاء الأمهات، ودموع المحزونين.

 

ويُروى في الأمثال الشعبية قولهم:

“اللي ما بيغتسل بأربعة أيوب، جسمه بدو يفنى ويذوب”،

وهو مثل يعبر عن تمسك الناس بهذا الطقس وإيمانهم ببركته، حتى صار جزءًا من تراثهم الوجداني.

ويُقال أيضًا: “يا صبر أيوب”، كناية عن الصبر الجميل الذي اشتهر به النبي أيوب عليه السلام، فأصبح اسمه رمزًا لكل من يحتمل الشدائد بثبات ورضا.

 

إن أجمل ما في عادة أربعة أيوب ليس فقط طابعها الديني أو الشعبي، بل روحها الجامعة.

فهي تجمع الناس على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم في طقس واحد، يقف فيه الجميع أمام البحر متساوين، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين صغير وكبير.

الجميع يسعى إلى التطهر من همومه، وإلى بداية جديدة مملوءة بالأمل.

ولذلك تجد هذا اليوم مناسبة للقاء الناس ببعضهم، وتبادل التهاني، وتناول الطعام على الشاطئ، وتزيين المكان بالأغاني والضحكات.

 

ومع مرور الزمن، لم تستطع صعوبات الحياة أن تمحو هذه العادة من ذاكرة الناس.

بل على العكس، زادتهم تمسكًا بها، لأنها تمنحهم شعورًا بالأمان والاستمرار، وتعيد إليهم لحظة صفاء وسط ضجيج الحياة.

صار البحر في ذلك اليوم شاهدًا على وجعهم وأمنياتهم، يسمع رجاء أمٍّ تدعو لولدها، ويتلقى دمعة شيخٍ يتمنى شفاءه، وضحكة طفلٍ لا يعرف من الدنيا سوى اللعب والماء.

 

ويحضر في هذا اليوم أيضًا أشخاص يحملون اسم “أيوب”، فيشعرون بالفخر، لأن المناسبة تحمل اسمهم، ويعتبرون أنفسهم جزءًا من هذا التراث الحي.

ومنهم من يأتي مع أسرته منذ الفجر ليشارك في الطقس بكل تفاصيله، من الغطس في الماء، إلى ركوب القارب، إلى رمي القطع المعدنية في البحر.

 

إن عادة أربعة أيوب هي أكثر من طقس ديني أو شعبي، إنها قصة ارتباط الإنسان بالطبيعة، وإيمانه بأن للماء قدرة على الشفاء والتطهر.

وهي أيضًا دليل على وحدة الناس، حين يجتمعون على فعل بسيط يمنحهم طمأنينة وسعادة.

في زمن تتغير فيه العادات بسرعة، تبقى هذه العادة شاهدة على عمق الروح السورية، وعلى محبة أهل اللاذقية لبحرهم الذي كان وما زال صديقهم الدائم في الفرح والحزن.

 

واخيرا ما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه العادات التي تذكرنا بجمال البساطة، وبقيمة الاجتماع على الخير والمحبة، وبالإيمان الذي يربط الإنسان بأرضه وذاكرته

 

https://www.facebook.com/share/v/1HRXTmCfBS/

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى