
ناسا توثق مشهداً فضائياً مذهلاً فوق دولتين عربيتين
متابعة نجاة احمد الاسعد
في مشهداً فضائياً يخطف الأنفاس، كشفت الأقمار الصناعية التابعة لوكالة ناسا عن صورة مذهلة لمشهداً فضائياً بدت للوهلة الأولى وكأنها التقطت من سطح المريخ أو أحد الكواكب البعيدة، لكن الحقيقة أن هذا المنظر الفريد يقع هنا على كوكبنا، وتحديداً عند الحدود الفاصلة بين الجزائر وليبيا، حيث يلتقي بحر هائل من الكثبان الرملية النجمية مع تضاريس صخرية جرداء تشبه عوالم أخرى في مشهد استثنائي يكشف اختلاف التضاريس بشكل واضح، ويعيد إلقاء الضوء على تاريخ الصحراء الكبرى عبر ملايين السنين.
من على ارتفاع مئات الكيلومترات فوق سطح الأرض، التقطت الأقمار الصناعية التابعة لمرصد الأرض في وكالة ناسا صورة استثنائية تكشف مشهداً يبدو أشبه بلوحة طبيعية مرسومة بدقة. عند الحدود بين الجزائر وليبيا، يظهر التقاء مذهل بين عالمين جيولوجيين متناقضين، بحر من الكثبان الرملية الضخمة ذات الأشكال النجمية من جهة، وأراضٍ صخرية قاحلة تشبه تضاريس الكواكب الأخرى من جهة أخرى. هذا المشهد لا يبرز فقط التباين البيئي والجغرافي، بل يعكس أيضاً التاريخ العميق والمتقلب لصحراء تُعد الأكبر في العالم.
بحر الرمال العظيم
تمتد الكثبان الرملية الهائلة، المعروفة باسم العرق الشرقي الكبير، عبر شمال الجزائر بمساحة تقارب 55 ألف ميل مربع، أي ما يعادل مساحة دولة بحجم كرواتيا أو بنغلاديش. هذه الكثبان ليست عادية، بل هي من نوع خاص يُعرف بـ “كثبان النجوم”. تتخذ هذه التشكيلات الرملية شكل نجمة متعددة الأذرع، وتتشكل في البيئات التي تتغير فيها اتجاهات الرياح باستمرار، حيث يعاد نحت الكثبان من جهات مختلفة على مر الفصول والعصور.
يصل ارتفاع بعضها إلى 300 قدم (أكثر من 90 متراً)، أي ما يعادل بناية من ثلاثين طابقاً. ومن الجو، تبدو الكثبان وكأنها أمواج متجمدة وسط محيط من الرمال الذهبية، تشهد على ديناميكية غير مرئية تتحكم بها الرياح منذ آلاف السنين.
أصل الرمال وحكاية الزمن
يُعتقد أن هذه الرمال لم تأتِ من العدم، بل هي نتيجة عمليات جيولوجية ممتدة عبر ملايين السنين. فالأمطار القديمة التي هطلت على المنطقة ساعدت في تفتت الصخور المحيطة، وحملت السيول والروافد تلك الرواسب إلى المنخفضات الطبيعية. ومع مرور الزمن، بدأت الرياح تعيد توزيع هذه الرواسب، لتتحول تدريجياً إلى كثبان متحركة تعيد تشكيل نفسها باستمرار.
بحسب علماء ناسا، فإن هذه العملية لم تحدث في فترة زمنية قصيرة، بل امتدت على مدى مئات آلاف وربما ملايين السنين، ما يجعل العرق الشرقي الكبير بمثابة كتاب جيولوجي مفتوح يروي قصة مناخ الصحراء الكبرى وتطورها البيئي.
صحراء صخرية كالكواكب الأخرى
على الضفة الأخرى من الحدود، يختفي هذا الامتداد الرملي الهائل فجأة ليترك مكانه لتضاريس صخرية قاحلة داخل ليبيا. هنا، المشهد مختلف تماماً، أرض سوداء وبنية تآكلت بفعل الرياح منذ أزمنة سحيقة، لا نبات فيها تقريباً، ولا أثر لمسطحات مائية حديثة. وتُظهر الصور الفضائية أن هذه الصخور حُفرت بفعل رياح أحادية الاتجاه، صنعت أخاديد طويلة مستقيمة، أشبه بما قد يتخيله العلماء لسطح المريخ أو عطارد.
بحيرة منسية وسط الصحراء
وسط هذا الامتداد الصخري، تظهر بقعة بيضاء لامعة، وهي ليست سوى قاع بحيرة قديمة جفت منذ زمن بعيد. هذا السطح المتشقق المقفر هو بقايا نظام بيئي مائي كان يزدهر في الماضي، قبل أن يتحول بفعل تغيّر
المناخ إلى أرض قاحلة. يمثل هذا القاع الجاف شاهداً على فترات كانت فيها الصحراء الكبرى أكثر رطوبة، حين تدفقت فيها المياه وشكلت بحيرات وأنهاراً غابت تماماً اليوم، وفقاً لـ “dailygalaxy”.
الطبيعة تلتقي بالحدود السياسية
اللافت في الصورة أن خط الحدود السياسية بين الجزائر وليبيا يتطابق تقريباً مع خط التقاء الرمال بالصخور. وكأن الطبيعة نفسها رسمت هذا الحد الفاصل قبل أن يعترف به الإنسان. فالكثبان الرملية تقع كلها داخل الجزائر، بينما تغطي التضاريس الصخرية الجانب الليبي. هذا التوازي بين المعالم الطبيعية والانقسامات السياسية يبرز كيف أن الحدود التي صنعها البشر أحياناً ما تجد انعكاساً مذهلاً في الطبيعة.